أبلغ الرئيس السادات وزير خارجيته إسماعيل فهمى، بأنه يريد إعادة افتتاح قناة السويس رسميا يوم 5 يونيو، مثل هذا اليوم 1975، وأنه يريد احتفالا ضخما، وأن يقود بنفسه قافلة كبيرة من السفن فى القناة، حسبما يذكر «فهمى» فى مذكراته «التفاوض من أجل السلام فى الشرق الأوسط».
يذكر «فهمى» أنه اعترض على اختيار هذا اليوم.. ويؤكد: «حثثت السادات على أن يؤجل إعادة فتح القناة حتى يتم توقيع اتفاق فك الاشتباك الثانى على الجبهة المصرية الإسرائيلية، وكانت محاولات استكمال فك الاشتباك الثانى فشلت فى مارس 1975، وكنت أعتقد أن إعادة فتح القناة يمكن أن يكون ورقة إضافية فى أيدينا تؤثر كضغط على كل من الأمريكيين والإسرائيليين عندما تستأنف المفاوضات فى سبتمبر».
يتذكر «فهمى»: «بدا السادات وكأنه قبل الاقتراح، غير أنه عاد فى وقت لاحق إلى رأيه السابق مصرًا على أن إعادة فتح القناة يجب أن يكون فى 5 يونيو 1975، وكان لهذا الموعد قيمة رمزية، ففى الخامس من يونيو 1967 وفى عهد عبدالناصر عانى الجيش المصرى من هزيمة مدمرة بسبب ضربة إسرائيلية، وأدى هذا إلى إغلاق القناة، وباختيار فتح القناة فى الذكرى السنوية للهزيمة أراد السادات أن يوضح أنه البطل الذى أعاد لمصر كرامتها، فقد خسر عبدالناصر حربا، واضطر إلى إغلاق القناة، بينما كسب السادات حربا، وأصبح يستطيع القيام بخطوة تفيد العالم أجمع بإعادة فتح القناة».
يكشف «فهمى»: «من المفارقة أن فكرة اختيار هذا التاريخ الرمزى لم تكن فكرة السادات بل فكرة محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام فى عهد عبدالناصر «أقاله السادات فى 2 فبراير 1974»..يؤكد فهمى: «أبلغنى هيكل نفسه وبفخر أنه اقترح هذا التاريخ، وقد دهشت وفزعت حين سمعت أن اقتراحا بالقيام بإجراء يحسن من صورة السادات على حساب إضعاف وضع مصر فى مفاوضات فض فك الاشتباك الثانى جاء من ناصرى مخلص».. يذكر «فهمى»: «شرحت لهيكل لماذا اعترضت على هذا التاريخ، واكتشفت أنه لم ينظر إلى هذه النقطة، غير أن الضرر كان قد وقع حينذاك، وكنت قد قمت بجهد آخر لإقناع السادات بتأجيل إعادة الفتح فى وجود ممدوح سالم، رئيس الوزراء، الذى كان يتفق كلية معى، إلا أنه لم يمكن حمل السادات على تغيير رأيه فقد أمرنا بتنفيذ قراره».
فشل فهمى فى محاولته، وفى العاشرة والثلث صباح 5 يونيو 1975 كان السادات، على المنصة فى سرادق ضخم فى بورسعيد أقامته هيئة القناة، وإلى يمينه ولى عهد إيران الأمير رضا بهلوى، يرتدى بدلة صيفية بيضاء، وإلى يساره المهندس سيد مرعى رئيس مجلس الشعب، وممدوح سالم رئيس الوزراء، والفريق أول محمد عبدالغنى الجمسى وزير الحربية «الدفاع فيما بعد» وفقا للأهرام، 6 يونيو 1975.
تذكر «الأهرام»، أن الجمسى ألقى كلمة، وبعدها قدم وثيقة تسليم قناة السويس من الإدارة العسكرية إلى الإدارة المدنية اعتبارا من الساعة 11 صباح اليوم التالى، 6 يونيو، ووقع الرئيس على الوثيقة ثم سلمها الجمسى إلى مشهور أحمد مشهور رئيس هيئة القناة، ثم ألقى السادات كلمة قال فيها: «سجل التاريخ الحديث أن قناة السويس أغلقت أكثر من مرة، آخرها فى الخامس من يونيو 1967 نتيجة العدوان الإسرائيلى على أرض مصر وسلامتها، لكن بإذن الله وبتوفيق منه وأمام العالم أجمع، فإن قناة السويس المصرية تم تطهيرها كاملة من العدوان الإسرائيلى بعد العبور المجيد فى السادس من أكتوبر 1973، ومعارك التحرير والكرامة، وأصبح طبيعيًا أن يكمل هذا الشريان المصرى الحيوى مسيرة العبور فى سبيل سعادة الأسرة الإنسانية ورخائها، وأن يواصل رسالته العالمية فى الربط بين أطراف العالم كلها، وتحسين التبادل والتفاعل بين الأمم والشعوب، إن ابن هذه الأرض الطيبة الذى شق القناة بعرقه ودموعه، هو همزة الوصل بين القارات والحضارات، وعبرها بأرواح شهدائها الأبرار لينشر السلام والأمان على ضفتيها، يعيد فتحها للملاحة من جديد كما أنشأها أول مرة، رائدًا للسلام وشريانًا للازدهار بين البشر».
بعد ذلك دخل الرئيس مبنى هيئة القناة لاستراحة قليلة، ثم أخذت المدمرة «6 أكتوبر» وضع الاستعداد، وبعد استعراض حرس الشرف وعزف السلام الجمهورى، صعد إلى المدمرة يرافقه ولى عهد إيران، ورئيس الوزراء ممدوح سالم، ورئيس هيئة القناة، مشهور أحمد مشهور، وتحركت المدمرة تجاه مدخل القناة فى مقدمة أول قافلة تعبرها منذ إغلاقها قبل 8 سنوات، وظلت القافلة تتبع المدمرة داخل القناة حتى الإسماعيلية، ثم واصلت طريقها بعد ذلك إلى البحيرات المرة.